أحد معالم الحرية التي لا تُنسى في دبي: برج الركن

في الأسبوع الأول من شهر يوليو/تموز عام 2012، تم عقد اجتماع دعى اليه مسؤول كبير في الإمارات العربية المتحدة. وكان الهدف من الاجتماع التباحث في استراتيجيات تتعلق بالقانون الدولي لمواجهة استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث. وتمت دعوة عدد قليل من الأكاديميين والباحثين القانونيين بهدف الاستماع الى مشورتهم فيما يتعلق بالخيارات المتاحة لاستخدام هذه الاستراتيجيات. ومن بين القليل من هؤلاء الذين حضروا الاجتماع، كان الدكتور محمد الركن، والذي يُجسد خبرة نادرة على صعيد دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال القانون الدولي والمسائل القانونية المتعلقة. في ذلك الوقت، كان من الواضح بأن رؤيته تحظى بالاحترام لدى المسؤول الحكومي الذي استضاف الاجتماع.

وبعد أسبوع، وفي 17 يوليو/تموز 2012، اعتقل الدكتور الركن بينما كان يقود سيارته الى مركز للشرطة دبي لتسجيل بلاغ مفاده أن ابنه صهره في عداد المفقودين. وكان الأخيران اعتقل أيضا في حملة واسعة على المعارضين في البلاد. وأصدرت منظمة العفو الدولية نداءً عاجل للتحرك (بالإنجليزية) في قضية المعتقلين يوم 30 يوليو/تموز 2012.

وإذا وضعنا جانباً للحظة السياق السياسي الغريب الذي أفضى إلى إلقاء القبض على د. محمد الركن، فإنه سيكون من المستحيل تقريباً فهم حالة الصدمة التي سببها اعتقاله من دون معرفة من يكونه الروما سبق يبين بوضوح لماذا تسعى الحكومة للاستنارة برأيه القانوني في مسألة وطنية كبيرة. ولكن ذلك لا يفسر على الاطلاق كيفية تحول ثروة وطنية، مثل الركن، بعد أسبوع فقط الى عدو للدولة ويتم سجنه. وبالرغم من مرور ما يقارب ثلاث سنوات على هذه الحادثة؛ هي إلا أن النائب العام سالم سعيد كبيش في الامارات، قال في ذلك الوقت انه أمر بالقبض على أعضاء “تنظيم يهدف إلى ارتكاب جرائم تمس أمن الدولة ومناهضة الدستور يتبع تنظيمات خارجية” (كما نشر تقرير للجزيرة في 5 أغسطس/آب 2012. ومن شأن اعادة النظر في السياق السياسي؛ فمن الأكيد بأن تلك المساحة من الزمن شهدت “بروز النقاش حول حرية التعبير والحرية السياسية في أوساط المواطنين .” كما يشير تقريرٌ لصحيفة نيويورك تايمز نُشر يوم 18 يوليو/تموز 2102.

جل: خريج القانون من جامعة العين في الإمارات العربية المتحدة عام 1985؛ وحاصل على ماجستير في القانون والدكتوراه في القانون الدستوري من جامعة وارويك، كوفنتري، انكلترا في عام 1992؛ وأستاذ مشارك في القانون العمومي وشغل منصب نائب عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في العين من عام 1998-2000: و رئيس جمعية الحقوقيين في الإمارات العربية المتحدة من 1998-2004 ومن 2010-2013؛ ونائب الرئيس على المستوى الوطني للجمعية الدولية للمحامين الذي يتخذ من فرنسا مقراً (2002-2008)؛ وعضو في الرابطة الدولية للقانون الدستوري؛ وعضو جمعية المحامين الدولية؛ و المحطة الأهم شغله لمنصب ممثل لدولة الإمارات في محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية ومقرها باريس لسنة 2004.

وفي سياق ما قبل القاء القبض عليه، دافع آل الركن عن قضية ما يُعرف بقضية الاماراتيين الخمس (أو بحسب هاشتاج تويتر UAE5). وتتعلق القضية بخمس من النشطاء وهم أحمد منصور، وهو مهندسٌ ومدون؛ ناصر بن غيث، وهو خبير اقتصاد ومحاضرٌ في جامعة السوربون بأبو ظبي؛ والنشطاء الإنترنت فهد سالم دلك وأحمد عبد الخالق، وحسن علي آل خميس. تم القبض عليهم في أبريل/نيسان 2011، وتمت محاكمتهم بتهمة “الإهانة العلانية لكبار المسؤولين” في الإمارات العربية المتحدة (انظر تقرير هيومن رايتس ووتش). إلا أن جريمتهم في الواقع تكمن في توقيع عريضة على الإنترنت تدعو حكام دولة الإمارات العربية المتحدة للدعوة الى الانتخابات المباشرة ومنح البرلمان سلطات تشريعية. ويتوفر النص الأصلي للعريضة هنا.

وفي الوقت الذي تولى فيه الركن هذه القضية، كان يعلم أنها كانت أكثر من مجرد معركة قانونية، بسبب عدم توفر ما يمكن اعتباره أساساً قانونياً للقبض على النشطاء الخمس لمجرد التوقيع على عريضة تدعو للإصلاح. ونقلت عنه السي أن أن في 9 أكتوبر/تشرين أول 2011 إنه أبلغ المحكمة أن المتهمين الذين يدافع عنهم تلقوا معاملة أسوأ من أولئك المحكومين في السجن، وأجبروا على ارتداء الأصفاد باستمرار. وقال أيضا: “كيف يمكن لهم أن يقوموا بأداء الصلاة أو تناول الطعام أو الذهاب إلى الحمام مع وجود الأصفاد على أجسادهم”. وقال اثنين من النشطاء الذين تولى الركن قضيتهم بأن لم يقبل بتلقي مقابل مادي لقاء تمثيله لهم.

وقبل فترة طويلة من قضية النشطاء الخمسة، اعتقل الركن مرتين في عامي 2006 و 2007. وتم استجوابه حول نشاطه في مجال حقوق الإنسان، وتمت مصادرة جواز سفره ومنعه من مغادرة البلاد. وفي يناير 2007، حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر سجناً بتهمة ممارسة الجنس خارج اطار الزواج. ولكن تم استئناف القرار وقامت السلطات بإعادة جواز سفره في مايو/أيار 2007.

ومن الواضح بأنه وفي معمعان الحملات الشعواء، يخسر المنطق سلامته لصالح مفهوم فضفاض يُدعى “الأمن”. وهذا ما يمكن أن يُعتبر غايةً في التبسيط لشرح أسباب اعتقال الركن. وعلى اعتبار أنه كان عضواً فاعلاً مفترضاً في تنظيم الاصلاح، وهو لم يكن، فذلك لا ينبغي أن يكون مشكلة في حد ذاته. وعلى اعتبار أنه تولى الدفاع قانونياً عن قضايا أقراد عارضوا الحكومة، فهذا ليس أيضاً سبباً؛ فللجميع الحق في التمثيل القانوني أمام المحاكم. إلا أن كونه خبرة نادرة إلى حد طلب كبار المسؤولين الإماراتيين لمشورته، هو في الواقع، مشكلة كبيرة. ثمن المثير من الاتساق مفقودٌ في هذا السياق وليس هناك ما يبرر ما يبدو باعتباره عقاباً للـ الركن.

بدورها تعرض أمل فان هيس، مديرة مؤسسة “مد الجسور” شهادةً من شأنها التأكيد على انتقاء سمة الحزبية والتحيز عن محمد الركن: يعتبره الليبراليون واحداً منهم، وكذلك الشيوعيين، وكذلك المحافظون. الركن لا يملكه أحد” (أنظر الدقيقة 1:44 في الفيديو التالي). فكيف يتم سجن رجل كهذا؟

وانتهت قضية الناشطين الخمسة بـ “عفو رئاسي”، وكان الركن هو أول من أبلغ وسائل الإعلام، بما في ذلك هذا التقرير لبي بي سي (بالانجليزية)، بصدور هذا العفو في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011. إلا أنه لم يكن يعلم أنه سيكون، في الصيف القادم، ضمن مجموع من 94 شخصاً معتقلاً (أو بحسب تويتر UAE94) ولن يمنحه أحدٌ عفواً أو محاكمة عادلة.

يتطب الأمر شخصاً غير عادي … ليكون الدكتور محمد الركن” – يقدم مجموعة من شهادات النشطاء البارزين والأشخاص الذين عرفوا الركن عن كثب، قامت بجمعها منظمة العفو الدولية، في سياق الحملة مستمرة لإقناع قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة لإطلاق سراحه. في غضون ذلك، تذكر دائماً، أنه حينما تلمج مرأى أعلى الأبراج في دبي، أن من بينها برجاً لن تجد له ذكراً في الأدلة السياحية الغربي- اسمه؛ برج الركن.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.